الحراك الشّبابيّ الفلسطينيّ في ظلّ إعلام جديد حرّ
2014-04-18
تميّز الحراك الشبابي الفلسطيني بخصائص عديدة عام 2013، سواء على المستوى التنظيمي وتلقائيته، أو على مستوى حشد الجماهير حوله، وتحديدًا خلال نضاله ضد مخطط "برافر – بيغن" الاقتلاعي ومظاهرات أيام الغضب، والتي ستكون هي النموذج الأساسي لهذا التقرير . كان الحراك في كامل جوانبه "ضاربًا عرض الحائط" بكافة "المسلمات" السياسية، من حيث استقلال عمله (وإن كانت مجموعة كبيرة منه منظمة ضمن الأحزاب والأطر السياسية) أو خطابه الوطني والسياسي الموحّد؛ ولعل أكثر ما ميّز الحراك تعامله مع الإعلام، سواء التقليدي منه أو الجديد/ الاجتماعي – ما يُسَمّى بـالنّيو ميديا -، وقد كان هذا التعامل والتوجه امتدادًا لاستقلالية العمل السياسي من جهة، وناتجًا عن خيبة الأمل من المنصات الإعلامية الفلسطينية المحلية التقليدية الموجودة والفعّالة، المكتوبة والمسموعة، من جهة أخرى.
بالإضافة إلى إصدار البيانات والتقارير الصحافية التي هدفت إلى رفع الوعي إزاء "مخطط برافر – بيغن"، وكذلك الحشد الجماهيري لمظاهرات يوم الغضب، اعتمد الحراك الشبابي، سواءً كان منظمًا و/أو تلقائيًّا، نشاطًا إعلاميًّا جديدًا ومتكاملًا عبر صفحات وسائل ووسائط الإعلام الجديد/ الاجتماعي، وكان النشاط الإعلامي الجديد عبارة عن كرة ثلج تدحرجت وجمعت حولها الشباب الفلسطيني الذي أصبح بمثابة المتحدث الرسمي باسم الحراك على الأرض، وكذلك في الإعلام الجديد، من خلال التوثيق الكامل لمظاهرات أيام الغضب وانتهاكات الشرطة الإسرائيلية تجاه المتظاهرين/ ات، من ضرب واعتقالات وعنف تجاه المسيرات التي خرجت في مدن فلسطينية عديدة من أول يوم غضب في تموز/ يوليو 2013، مرورًا بثاني أيام الغضب بداية آب/ أغسطس، انتهاءً بأقوى أيام الغضب في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2013؛ وَوَصْفُ قوة الحدث هُنا يعود إلى عدد المتظاهرين/ ات الكبير في كلّ من حيفا والنقب، وكذلك إلى وصول صدى هذه المظاهرات، من ناحية الحضور أو التغطية الإعلامية، إلى الجمهور الإسرائيلي وسياسييه، وتصريحات الأخيرين التي جاءت بعد يوم الغضب الأخير.
خلال أكثر من نصف سنة في عام 2013، تحوّل كلّ فرد ناشط في الحراك الشبابي على الأرض إلى ما يُسمى بالصحافي/ ة المواطن/ ة، هذه التسمية منبثقة من مصطلح "صحافة المواطن"، وحسب التعريف الرسمي في عالم الإنترنت، فإن "صحافة المواطن" هي معروفة كذلك بـ "الصحافة التشاركية، أو صحافة الشارع، أو الصحافة الشعبية"، ما يجعل كلّ فرد في سياق سياسي أو اجتماعي أو ثقافي صاحب دور فاعل في جمع، ونقل، وتوثيق، ونشر المعلومة/ الخبر إلى مستخدمي وسائط الإعلام الجديد، سواء المكتوبة أو المسموعة أو البصرية. وبعيدًا عن البيانات الرسمية التي صدرت عن الحراك الشبابي الفلسطيني ضد "برافر – بيغن"، في حيفا والنقب تحديدًا، فإن الحراك الرقمي عبر شبكات التواصل الاجتماعي، المتمثلة بشكل خاص في موقعي "الفايسبوك" و "التويتر"، كان المصدر الأول للتوعية حول تفاصيل مخطط "برافر – بيغن" والتنبيه إلى مخاطره، وكذلك في الحشد إلى المظاهرات الفرعية التحضيرية والمركزية (بالكتابة والصوت والصورة)، وكان الحراك الرقمي العماد الأساسي لتوثيق تفاصيل المظاهرات وشعاراتها وانتهاكات الشرطة الإسرائيلية، ومن ثم محاكمات المعتقلين/ ات وما كان خارج قاعات المحاكم الإسرائيلية من مظاهرات؛ هذا التوثيق كان إما من خلال "ستاتوس" عبر "فايسبوك" أو "تغريدة" (أي Tweet) عبر "تويتر"، والأهم التوثيق المرئي والمسموع، والذي ساهمت "الهواتف الذكية" فيه بكثرة، لسهولة تسجيل وتصوير المادة التي يرغب الناشط بتوثيقها ومن ثم رفعها إلى صفحته "الفايسبوكية" أو "التويترية" بسرعة، وبالتالي وصولها إلى أكبر عدد من المتابعين/ ات ومستخدمي هذه المواقع.
الوَسْمُ (الهاشتاغ) #برافر_لن_يمر
في عالم الإعلام الجديد/ الاجتماعي، وخصوصًا في موقع "تويتر"، هناك تقنية مهمة تحمل الاسم الرسمي "هاشتاغ – Hashtag" بالإنجليزية، وقد عُرِّبَتِ الكلمة إلى "الوسم"، وهي غير شائعة الاستخدام. للهاشتاغ وظيفتان: الأولى تكمن في ربط "التغريدة" المكتوبة في "تويتر" (وقد أضاف "فايسبوك" مثل هذه التقنية لاحقًا) مع موضوع/ قضية/ ثيمة ما (أو عدة مواضيع وقضايا وثيمات)؛ والثانية تكمن في أرشفة هذه التغريدات/ الستاتوسات منذ مشاركة "الهاشتاغ" لأول مرة (خاصة في موقع "التويتر"، لأنه يعمل على الأرشفة كونه موقعًا عامًّا أكثر من "الفايسبوك"، فالأخير يقوم على فكرة أنه موقع خاص يضم شبكة أصدقاء المستخدم/ ة).
في إطار الحراك الشبابي الفلسطيني ضد مخطط "برافر – بيغن"، اختير الوسم (الهاشتاغ) #برافر_لن_يمر . ومنذ بداية الحراك جرت مشاركة عدد هائل من "الستاتوسات" والتغريدات والصور والفيديوهات والملصقات، وربطت مباشرة مع الوسم (الهاشتاغ) #برافر_لن_يمر، والأهم من ذلك هو أن كلّ التغريدات تبقى متوفرة وتظهر عند البحث عن الوسم (الهاشتاغ) في خانة البحث لموقع "تويتر"، فالموقع قائم على أساس أرشفة كافة الوسوم (الهاشتاغات). كان السوم (الهاشتاغ) الأكثر تنتشارًا هو #برافر_لن_يمر، وفي كثير من الأحيان رافقه الوسم (الهاشتاغ) #إعلام_شعبي_حر، وهو اختيار يدل على الأهمية التي وجدها النشطاء في الإعلام الجديد ودوره في التغطية والتوثيق من جهة، وكذلك فيه مقولة تُوَجَّهُ للإعلام التقليدي في ظل تراجع دوره وتأثيره من جهة أخرى. إليكم/ ن نموذج من تغريدة للناشطة الفلسطينية ثمينة حصري ، التي تضم معلومة/ خبرًا، والتي وظفت فيها الوسم (الهاشتاغ) #برافر_لن_يمر؛ وقد جرى ربط التغريدة في هذه الحالة – النموذج - بموضوعين: مخطط "برافر – بيغن" عمومًا، والنقب السياق الأوسع، وذلك من خلال الوسم (الهاشتاغ): #النقب_فلسطيني.
صفحة "إضراب الغضب 15 تموز" عبر "الفايسبوك"
إبان التحضير لإضراب ويوم الغضب الأول ضد مخطط "برافر- بيغن"، أُنْشِئَتْ صفحة "فايسبوكية" على غرار ما يُسمى بالـ Page" " في لغة "الفايسبوك". وأُطْلِقَ على الصفحة – سواء بقصد أو بغير قصد- اسم "إضراب الغضب 15 تموز"، تناسبًا مع موعد إطلاقها، ما نسب بشكل أو بآخر الحراك الشبابي الفلسطيني ضد مخطط "برافر- بيغن" إلى يوم 15 تموز، على غرار الحراكات الشعبية والثورات في العالم العربي التي نُسبت إلى أيام وتواريخ، على سبيل المثال: ثورة 25 يناير في مصر. وفي حالة صفحة "إضراب الغضب 15 تموز"، تحول الاسم المختار إلى مرجعية من ناحية اليوم الذي بدأ فيه النشاط الفعلي على الأرض، ومن جهة ثانية أصبحت الصفحة مرجعية معلوماتية وإخبارية تصدر منها وتصب فيها كافة مواد "صحافة المواطن" التي تصدر من الناشطين/ ات على أرض الواقع، سواءً في بلداتهم و/ أو خلال مظاهرات أيام الغضب. وبالرغم من أزمة الأرشفة في موقع "فايسبوك" عمومًا، إلا أن الصفحة تعتبر المصدر الأكبر لجمع المعلومات والأخبار والتوثيق، وقد وصل عدد متابعيها إلى 7,484 متابعًا/ ة. ومن الجدير بالذكر أن صفحة "إضراب الغضب 15 تموز" لم تخصص منبرها فقط للأخبار والمعلومات حول الحراك ضد مخطط "برافر- بيغن"، إنما أصبحت منصة أيضًا للنشر عن أي خبر ومظاهرة وحراك من جنوب فلسطين إلى شمالها. تعتبر هذه الخطوة إثباتًا إضافيًّا متعلقًّا بصحافة المواطنة أو الصحافة الشعبية التي يؤدي الأفراد فيها دورًا في نقل ونشر المعلومة، على أن هذه الصفحات "الفايسبوكية" تملأ الفراغ الذي صنعه وتركه الإعلام الفلسطيني التقليدي، على الأقل على مستوى التغطية الصحافية المهنية.
الإعلام الجديد: مساحةُ تعبير فنّية وإبداعية
لا تقتصر منصات الإعلام الجديد/ الاجتماعي على الجانب المعلوماتي فقط، أو الإخباري والتقريري، فمن خلال وسائطه المتنوعة والمجانية سريعة الوصول إلى الناس، والتي تضم كافة وسائل التعبير، المكتوب والمرئي والمسموع، يشكل الإعلام الجديد منصة لإنتاج ونشر الإبداعات والإنتاجات الفنية والثقافية. بالإضافة إلى مساحة التدوين المكتوب التي توفرها مواقع "فايسبوك" أو "تويتر" (للتدوين المصغّر) أو المدونات الإلكترونية (Blogs)، فإن هذه المنابر تعتبر حاضنة أساسية لإنتاجات بصرية وسمعية متنوعة؛ وفي سياق الحراك الشبابي الفلسطيني، كان الإنتاج المرئي والمسموع يمشي يدًا بيد مع الحراك على الأرض، وكذلك النشاط الإعلامي الشبابي الممتد من فكرة "صحافة المواطن"؛ كلّ هذا ضمن شعور عام بغياب المنصات الإعلامية التقليدية الخاضغة لرقابة ما، وغير القادرة على احتضان مثل هذه الأصوات الشبابية الإبداعية التي وظفت الفن من أجل حراك وطني وسياسي فلسطيني شامل ضد مخطط "برافر- بيغن".
تنوعت الإنتاجات بين ملصقات/ تصاميم جرافيكية، وصور فوتوغرافية، وأغانٍ ومقاطع فيديو؛ منها ما أُنْتِجَ جماعيًّا، ومنها ما كان مبادرات فردية، إلا أن جميعها هدفت للتوعية حول مخطط "برافر- بيغن"، والحشد والتوثيق.
من الإنتاجات البصرية التي تصب أساسًا في جانبي التوعية والحشد، والتي يمكن تصنيفها، ربما، ضمن المبادرات الفردية، كانت للفنان وسيم خير، والتي تضمنت مقاطع فيديو سينمائية، عمل عليها بمشاركة الموسيقي إلياس غرزوزي، هدفت أساسًا إلى تفسير المخطط ومخاطره، وكذلك الدعوة إلى المظاهرات . أما عن المبادرات الجماعية، والتي نشرت تحت اسم الحملة وصفحة "إضراب الغضب 15 تموز"، فكان من ضمنها مقطع فيديو سينمائي على هيئة إعلان للمظاهرة في الأول من آب 2013، كتبت نصّه ومثّلَتهُ وصوّرته وأخرجته ومنتجته مجموعة من الفنانين/ ات الفلسطينيين/ ات المقيمين/ ات في حيفا، وحمل الفيديو الاسم "ضرب الطناجر ولا حكم النذل بيّه" ؛ قُدم من خلاله مشهد سينمائي يُظهر رجلًا (الفنان عامر حليحل) أثناء تناوله وجبه غداء، وفي الخلفية تُسْمَعُ أصوات متظاهرين بالقرب من بيته؛ فجأة تبدأ "الطنجرة" التي أمامه بالحديث إليه وتوبيخه لعدم ذهابه للمظاهرة، وتنصحه بضرورة المشاركة. تنجح الطنجرة بإقناعه، لكن شرطه الوحيد هو أن ترافقه (أي الطنجرة) إلى المظاهرة. مضمون هذا الفيديو يعود إلى أحد الاقتراحات التي واكبت التحضير للمظاهرات، وهو أن يحضر المتظاهرون الطناجر معهم، أو أي أداة قادرة على إصدار ضجيج في الشارع، لمنح التظاهر شكلًا إضافيًّا، لكن المبادرة لم تنجح كما نجح الفيديو.
أما على مستوى الأغنية، ففي بداية الحراك الشبابي، أنتجت أغنية تحمل الاسم "علّي صوتك"، كتب كلماتها ولحنها الموسيقي رمسيس قسيس، وغنتها الفنانة رولا ميلاد عازر؛ وخلال تلك الفترة أيضًا، صدرت أغنية "فوق برافر" من إنتاج فرقة حملت الاسم "سُكّر شارع"، وهي فرقة مجهولة الهوية، ومثل هذه الأغنية هي أكبر مثال على أهمية الإعلام الجديد/ الاجتماعي في إعطائه منصة مفتوحة وحرة لكل من يرغب بإيصال رسالة ما، دون أن يكون من الضروري التعريف بنفسه، سواءً كان قرار إطلاق اسم مستعار رغبةً ذاتيّةً، أو لحاجة إلى الحصانة والأمان أمام حاملي أجهزة "كاتم الصوت."
إنتاجات إبداعية وفنية عديدة شكل الإعلام الجديد ومواقع التواصل الاجتماعي منصةً حرّةً وحاضنةً لها، صدرت بالتزامن مع النشاط الإعلامي للحراك الشبابي الفلسطيني المناهض لمخطط "برافر- بيغن"؛ والأهم من ذلك، أن الإنتاجات والإعلام الجديد وصحافة المواطنة الفلسطينية، شكلت جميعها النموذج الأفضل لما يجب أن يكون عليه الإعلام الفلسطيني: أولاً، التوعية المرتكزة على حقائق ومعلومات من أصحاب المعلومة والمصدر الأول؛ ثانيًا، حشد الجماهير للمشاركة في المظاهرات، والذي يرتكز على نشر الحقائق أولًا وأخيرًا؛ ثالثًا، توثيق تفاصيل الحراك منذ التجهيزات الأولى لأيام الغضب، توثيقًا مكتوبًا ومرئيًّا ومسموعًا، ونشر هذه المواد قدر الإمكان؛ رابعًا وأخيرًا، التأكيد على أن النشاط الإعلامي وسيط بين الناس في الشارع وفضاء الإنترنت ومستخدميه، وسيط ينقل أصوات الناس على الأرض، يحكي منهم ومعهم وبلغتهم، وليس من مستوى فوقهم.