إعلام قاصر ومجتمع مستهلك، عن غياب الصحافة الإقتصادية في إعلامنا المحليّ
2013-10-11
بقلم: الصحافي حامد اغبارية، محرر صحيفة صوت الحق والحرية
عند الحديث عن واقع الإعلام والصحافة الاقتصادية في الداخل الفلسطيني فإننا لا يمكننا أن نفصله عن الواقع الاقتصادي لمجتمعنا . فكما أن واقعنا الاقتصادي يرثى له ،وهو اقتصاد تابعُ ، استهلاكيُّ وغير منتج ، وليست لديه طموحات اقتصادية جَمَعية ، ويكتفي بالفتات ، بمعنى أن همه منصب في الغالب على لقمة العيش ومصروفات الشهر ، على مستوى الفرد والأسرة ، وعلى الاستمرار في الحياة على مستوى المجموع ، كذلك حال الإعلام الاقتصادي في الداخل . وفي الحقيقة لا نستطيع أن نقول إن عندنا إعلاما اقتصاديا أو صحافة اقتصادية ، لأن الاقتصاد يقع في أسفل سلم اهتمامات الإعلام المحلي .وفي التالي عندما تريد أن تبحث عن معلومة اقتصادية فإنك ستبذل جهدا كبيرا حتى تجد خبرا اقتصاديا هنا وهناك في تلك الصحيفة أو ذلك الموقع الإلكتروني ، وهي في الأساس أخبار ومعلومات منتقاة مأخوذة من الإعلام العبري ،تتعلق بقضايا تهم الفرد أكثر مما تهم المجتمع إلا فيما ندر . فهي أخبار تتحدث عن الضرائب أو أسعار السلع الأساسية أو أسعار الوقود أو العملات، وما شابه ذلك .
يمكن القول إن هناك سببين رئيسيين لهذه الحالة ؛ الأول يتعلق باهتمامات وسائل الإعلام وسلم أولوياتها ، حيث أن كافة وسائل الإعلام ( إلا نادرا) تهتم بالمواضيع الخفيفة الترفيهية ، والتي من شأنها جذب الجمهور ، وربما تهتم بين الحين والآخر بالقضايا السياسية والاجتماعية (من باب إسقاط الواجب !!)، ولكن حتى هذه تعرض بصورة فجة وذات آثار سلبية ، ليس هذا هو مجال تفصيلها . والسبب الثاني؛ عدم وجود تخصصات إعلامية في مجال الاقتصاد . فالعاملون في مجال الإعلام المحلي في غالبيتهم يفتقرون أساسا إلى مقومات العمل الصحفي ، وأغلبهم غير متخصصين في الإعلام ،ناهيك عن التخصص في مجال من المجالات ، مثل الاقتصاد والعلوم السياسية وغيرهما.وفي التالي فإن مالكي وسائل الإعلام ، الذين يهمهم الربح المادي أساسا لا يهتمون بالتخصصات ، فتجد الصحافي يخوض في جميع القضايا والملفات ( تكتشف في نهاية المطاف أنه لا يجيد أيا منها) ، ومن ثم لا تهتم وسيلة الإعلام بتخصيص زوايا اقتصادية تحمل آفاقا وأفكارا وحلولا واقتراحات ،وتعالج قضايا مجتمعنا الاقتصادية وهمومه المعيشية. ونادرا ما تجد وسيلة إعلام ( مكتوبة أو إلكترونية) تهتم بالملف الاقتصادي للداخل الفلسطيني .
وسبب ثالث يمكن أن يضاف إلى السببين أعلاه هو ارتباط مجتمعنا المستهلـِك اقتصاديا بالمجتمع الإسرائيلي المنتج، وعدم قدرته على الخروج من عنق الزجاجة . ومما لا شك فيه أن ملف الاقتصاد مرتبط ارتباطا وثيقا بالملف السياسي ( وكذلك الفكري والاجتماعي) لمجتمعنا ، ولأن مجتمعنا لا يشكل ( حتى الآن) وحدة واحدة سياسيا وفكريا واجتماعيا ، فإن هذا الوضع ينعكس على الملف الاقتصادي بالضرورة ، ويبقينا على هامش الاقتصاد الإسرائيلي .( عندما نتحدث عن حدة سياسية وفكرية واجتماعية فإننا نقصد الطابع الغالب على مجتمعنا ، وهذا يحتاج قيادة سياسية توجهه ، وهذه القيادة غير موجودة فعليا).
****
لكي نرتقي بالإعلام الاقتصادي لا بد أن يكون هناك حافز لهذا الارتقاء . والحافز الذي أراه ، ولو نظريا في هذه المرحلة ، هو تحول مجتمعنا في الداخل من مجرد مستهلك إلى فاعل اقتصادي ،في طريقه إلى أن يكون منتجا . وهذا لا يتسنى إلا من خلال منظومة سياسية – اجتماعية – فكرية واحدة ، تتبنى فكرة المجتمع العصامي الذي يبني نفسه بنفسه ، دون أن ينتظر المؤسسة الرسمية أن تتكرم عليه بالفتات ، ولتكن هذه الفتات إضافات تساهم في شد عصب المجتمع العصامي ، ولكن لا أن تكون هي الأساس أو المتكأ الوحيد( كما هو الحال الآن) للملف الاقتصادي عندنا.
بهذا الفهم ومن هذا المنطلق يمكن أن يبدأ عندنا إعلام اقتصادي فاعل ذو تأثير ومتفاعل مع القضايا الاقتصادية. أنا لا أتحدث عن بورصة ولا عن بنوك ولا عن صناعات ثقيلة ، وإنما أتحدث عن وضع أسس لبدايات نوع من الاستقلال الاقتصادي ( مع الفهم الواقعي لوضعنا المرتبط بالاقتصاد الإسرائيلي...) . وأضرب مثالا وأعطي فكرة: تخيل أن 200 رجل أعمال من الداخل ساهم كل منهم بـ 100 ألف دولار لبناء مشروع اقتصادي محلي ( وليكن هذا المشروع معمل لمنتجات الحليب ؛مثلا لا حصرا) . سيكون عندك 20 مليون دولار ، أي نحو 80 مليون شيكل . هذا مبلغ كبير بمقاييسنا المحلية ، ومن شأنه أن يؤسس لمشاريع أخرى ، وأن يساهم في حل جزء من مشكلة البطالة ، وأن يساهم في سوق محلية منتجة أيضا وليست مجرد مستهلكة .
واستطيع أن أضيف أن الإعلام المحلي الجدي ، الذي يحمل حقيقة هموم مجتمعنا الفلسطيني في الداخل ، يمكنه أن يبادر إلى كشف النماذج الناجحة من المبادرات الاقتصادية المحلية وتقديمها كأمثلة تؤكد أن في إمكاننا أن نبني اقتصادا محليا ، وبذلك تساهم وسائل الإعلام في تشجيع مبادرات جديدة . ولكن ... نحن في الحقيقة نحتاج إلى انقلاب أو ثورة فكرية في التعامل مع حالنا الاقتصادية ، وها يحتاج شجاعة(لا مغامرة ولا انتحار كما قد يخيل للبعض) ويحتاج إيمانا بقدراتنا على تغيير الوضع الاقتصادي ، من التبعية إلى نوع من الاستقلالية أو الاكتفاء الذاتية ، ولو في جزء من الفروع الاقتصادية ذات الطابع الاستهلاكي...