الفيلم المسيء للرسول والاعتبارات المزدوجة للغرب بحرية التعبير
2013-05-24
لم يكن مسائي عاديًا، فكان مثقلا بأخبار من العالم العربي والإسلاميّ عن إحتجاجات على إنتاج فيلم مسيء للرسول عليه الصلاة والسلام سمي بـ "براءة المسلمين"، جزء من تلك المظاهرات كان بالفعل نصرة للنبي الكريم وجزء آخر بدا لي وكأنه تسجيل موقف سياسيّ لا أكثر، وبغض النظر قررت أن أهرب من هذا الكم الهائل من الأخبار إلى عالمي الوهميّ، حيث أمارس طبيعتي البشرية وأستمع إلى أغاني تساعدني على التصالح مع ذاتي وتصفية الذهن للتقدم بنفسية محارب إلى المعارك القادمة.
هذا الهروب لم يدم طويلا، فسرعان ما رن هاتفي ووصلتني رسالة نصيّة أدهشني جدًا طلبها. في الرسالة، التي على ما يبدو تم تعميمها عبر الهواتف النقالة، طلب مني ان أبدأ من اليوم حملة مقاطعة للـ "يو تيوب" ولـ "غوغل" لمدة 3 ايام لرفضهم الطلبات التي قُدمت بإزالة الفيلم المسيء للرسول الكريم من على موقع الـ "يو تيوب" التابع بطبيعة الحالة لشركة "غوغل"، كما وطلب مني تعميم الرسالة إلى آخرين حتى تصل إلى أكبر عدد من "المقاطعين"!
مقاطعة "يو تيوب"؟! هل الموضوع قابل للتطبيق؟! لمدة 3 ايام ؟! لماذا أصلا يتم معاقبة "يو تيوب"؟! ولماذا علينا توجيه سخطنا وغضبنا إلى "غوغل"؟! أصلا، لماذا علينا أن نرد على نشر هذا الفيلم المسيء؟!
لا شك لدي بأن هدف الفيلم هو المس بالديانة الإسلامية، وإثارة الفتنة وإشعال فتيل الطائفية، ولا بد من الإشارة إلى أن مستوى الفيلم هابط ورديء ويتخطى حدود السذاجة، وإلى أن المدانين هم اولاءك الذين ساهموا في صناعته، وليس أحد آخر، ومعاداة أي شخص لمجرد أنه يشارك القائمين على الفيلم ديانته، هو عمل لا يقل سوءً عن الفيلم، بل ويحقق أهدافه.
ومن المهم التذكير هنا على أنه لا يوجد في أي دستور لدولة تُعرف نفسها على أنها ديمقراطية فصلا يجرّم التهجم على المقدسات الدينية (على سبيل المثال، الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم)، لأن تضمين مثل هذا الفصل في الدستور من شأنه إثارة التمييز والتعصب الديني والمس بحرية التعبير عن الرأي وهو ما تمنعه بلدان عديدة، تنص صراحة في دساتيرها على منع الدولة من ممارسة بعض أعمال التعصب أو التفضيل الديني داخل حدودها. عليه فأن حضور الدين في أغلب دساتير الدول التي تٌعرف نفسها على أنها ديمقراطية يقتصر على أحكام حرية المعتقد ومنع الدولة من التمييز والتعصب الدينيّ .
ما ذكر أعلاه يعني أن حرية التعبير عن الرأي تقف ندًا لحرية المعتقد والدين، فهي من جهة تُعد على أنها حق طبيعي مصون، لكن من جهة أخرى هو حق خاضع ايضًا لضوابط أخلاقية ومنوط بعدم الإعتداء على الآخرين. ويتعامل معها القانون الدولي بوضوح: إذا ما راجعنا البند رقم 19 من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (وهو أهم الوثائق الدوليّة المعنية بتنظيم حقوق الإنسان على مستوى العالم) سنجد أنه ينص على أن "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة ، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود"، لكن إذا ما نظرنا إلى البند رقم 20 من نفس المادة سنجد على أنه "يدين التحريض على الحرب وإثارة البغضاء الوطنية أو العنصرية أو الدينية وأي شكل من أشكال التمييز أو العداء أو العنف".
خلود مصالحة: مركزة الإعلام العبري في مركز إعلام