دراسة في كتاب : التربية للقيم في مجتمع مأزوم
2013-05-01
عرض/ محمد محسن وتد - نشر في موقع جسر الزرقاء
24 / 07 / 2012
يتناول هذا الكتاب النقاش الأكاديمي والجماهيري الدائر حول جهاز التربية والتعليم لفلسطينيي 48 في إسرائيل، ويتمحور في قضايا عدة، يمكن حصرها في اتجاهين أساسيين: الاتجاه الأول، يتعلق بالجانب التحصيلي، والاتجاه الثاني يتعلق بالبعد التربوي برمته. ويعالج المؤلف الادعاء أن المدرسة العربية تركز في أداء وظيفتها على الجانب التعليمي التحصيلي أكثر من الجانب التربوي.
ويعرض الكتاب للقارئ صورا لواقع المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل في جميع مناحي الحياة، تلك الصور التي تعكس واقع المدارس العربية من حيث أداؤها التربوي والتعليمي، من خلال اعتماد وجهة نظر نقدية لهذا العمل المدرسي لتوسيع دائرة النقاش الأكاديمي حول قضية التربية والتعليم بغية تحسينها وتطويرها لترتقي إلى المستوى المطلوب.
ويرى مؤلف الكتاب أن تفضيل السياسة التربوية التي تعتمد على التحصيل الدراسي أكثر من اعتمادها على التربية للقيم، جاء بمحض إرادة المدرسة وبناء على اختيارها، وذلك كرد فعل لواقع يعكس دور ومكانة المدرسة العربية وأسلوب أدائها في الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي للمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، وأن مثل هذا الواقع، يعكس ما يجري في جميع مناحي الحياة المتعلقة بفلسطينيي 48، سواء كان ذلك على المستوى الداخلي للمجتمع أو على المستوى الخارجي بكل ما يتعلق بالعلاقة ما بين الأقلية الفلسطينية والأغلبية اليهودية في إسرائيل.
العلاقة الجدلية
ويشمل الكتاب أربعة فصول، حيث يستعرض المؤلف بالفصل الأول المجتمع العربي وأزمة التغيير، بينما يركز في الفصل الثاني على القيم والتربية على القيم ويناقش في الفصل الثالث موضوع التربية للقيم في ظل التطور العلمي والتكنولوجي، وفي الفصل الرابع وتحت عنوان وماذا بعد؟، يطرح المؤلف العديد من التساؤلات بشأن التوجه العام نحو التحصيل العلمي وتغييب الجانب التربوي والقيم وسبل تذويتها ونقلها وتوريثها من جيل إلى آخر، بظل التحديات التي تواجه الداخل الفلسطيني مع المؤسسة الإسرائيلية وعلاقاته بالأغلبية اليهودية.
ويسلط الكتاب الضوء على العلاقة الجدلية ما بين الأصالة من موروث حضاري وقيم السلف، وما بين الحداثة بمفهومها الغربي وبخصوصيتها الزمنية والمكانية على إثر الصيرورة التاريخية، وما أنتجه من تيارات فكرية في تلك الحقبة الزمنية، ومدى تأثر المجتمع الفلسطيني في إسرائيل بهذه الحداثة والأزمة التي وقع فيها من خلال محاولته القفز من فوق السلف والموروث الحضاري، وصولا إلى الحداثة بشكل غير عضوي وبدون تراكم معرفي وصيرورة تاريخية خاصة به، وجاء الكتاب بطرح البعض من القيم الخاصة والمميزة لمجتمع مأزوم قيميا من جراء تغيرات مجتمعية وثقافية تعصف به.
المجتمع العربي وأزمة التغيير
ويكشف الكتاب عن ما يواجه المجتمع العربي في إسرائيل من تحولات اجتماعية واقتصادية وثقافية واسعة الأثر والتأثير على الجماعة والأفراد، وجاءت هذه التحولات مثلما أشار المؤلف نتيجة انكشاف واحتكاك المجتمع الفلسطيني بالداخل مع المجتمع اليهودي، وخاصة بعد انتهاء الحكم العسكري منذ أواخر عام 1966 وارتهان العامل الفلسطيني لسوق العمل الإسرائيلي للبحث عن مصدر رزق لإعالة أسرته.
ويرى الدكتور خالد أبو عصبة أن المجتمع الفلسطيني في إسرائيل يعيش تحت وطأة وتأثير وهيمنة الثقافة الغربية المهيمنة أصلا في المجتمع الإسرائيلي اليهودي، وهذه العملية المتواصلة من التأثير أحدثت تباينا عميقا ما بين مجموعات وما بين أفراد داخل المجتمع الفلسطيني ذاته، الأمر الذي تبعه تنوع قيمي مغاير لدى تلك المجموعات والأفراد ظنا منها أنها تتبع التعددية كفكر موجه للمجتمع.
ونال هذا الاعتقاد بحسب ما أوضحه المؤلف في كتابه تشجيعا من قبل النموذج الإسرائيلي الداعي "للتعددية الثقافية"، هذا النموذج الذي يعتبر المجتمع الإسرائيلي مجتمعا متعدد الثقافات من جهة، ومن جهة أخرى يحاول مسح وإلغاء الخصوصية الاجتماعية لثقافات المجموعات خاصة مجموعة الأقلية العربية الفلسطينية الاصلانية.
النموذج الإسرائيلي الداعي "للتعددية الثقافية"
وبحسب النموذج الإسرائيلي الداعي "للتعددية الثقافية"، يشدد المؤلف في كتابه على أن هذا النموذج يتحدث عن المجتمع الإسرائيلي "كمتعدد الثقافات" بناء على مفهوم واحد للمصطلح، كون المجتمع الإسرائيلي مكونا من عدة مجموعات إثنيه مختلفة كنتيجة حتمية لعامل الهجرة، وليس بدافع الاختيار القائم على حياة أساسها الفكر التعددي، من هنا، يؤكد المؤلف أن المجتمع الإسرائيلي لا يملك فكرا تعدديا على أرض الواقع والممارسة، إنما هو مجتمع متباين اجتماعيا وثقافيا في ظل الهجرة التي يعتمد عليها منذ قيام إسرائيل.
"
المجتمع الإسرائيلي لا يملك فكرا تعدديا على أرض الواقع والممارسة، إنما هو مجتمع متباين اجتماعيا وثقافيا في ظل الهجرة التي يعتمد عليها منذ قيام إسرائيل"
يجزم المؤلف في إجاباته بأن للمجتمع العربي الفلسطيني خاصية متباينة عن المجتمع الإسرائيلي ليس فقط من حيث النسيج الاجتماعي والثقافي إنما أيضا من حيث الانتماء الديني والقومي ومدى مشاركته في اللعبة السياسية. من هنا يمكن القول إن الأزمة بما يتعلق بالمجتمع العربي الفلسطيني هي أزمة مزدوجة: الأزمة الأولى تتمثل بالتباين داخل المجتمع ذاته على مستوى الجماعات والأفراد، وأما الأزمة الثانية، يقول المؤلف أبو عصبة فتكمن في عدم وجود إطار جماعي للمواطنة التي ينتمي إليها المواطن العربي الفلسطيني، لاعتباره خارج إطار النسيج الاجتماعي الإسرائيلي المشترك للمواطنين.
التباين داخل المجتمع الفلسطيني
وبسبب التباين داخل المجتمع الفلسطيني على مستوى الجماعات والأفراد، فإن المجتمع يمر في خضم عملية تغيير اجتماعي وثقافي، من مجتمع محافظ تقليدي زراعي نحو مجتمع له دلائل أولية وبدائية من الحداثة المأزومة قيميا وأخلاقيا، بحسب المؤلف الذي يوضح بأنه يواكب هذا التغيير بالضرورة تغيرا بالمنظومة القيمية الموجهة لنهجه ولسلوكه.
وعليه، وفي مثل هذا الوضع تحدث حالة من الانفصال التدريجي لمنظومة قيمية اعتمدت في أساسها على أنماط تقليدية إلى أخرى معاصرة جزئيا، ومن ملامحها -يشير المؤلف إلى- الحرية الفردية، والمساواة الاجتماعية، والديمقراطية السياسية، وما جاءت هذه القيم إلا نتيجة لتأثر المجتمع الفلسطيني بهيمنة الطرح الليبرالي في الفكر الغربي، الأمر الذي حدا بمجموعات وأفراد المجتمع التوجه نحو الـ"تمغرب" في تبنيهم لبعض القيم وفي سلوكياتهم اليومية على المستوى العام والخاص.
ويستنتج المؤلف أن عملية "التمغرب" التي تحدث في المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، لا بد وأن تصطدم مع الواقع الاجتماعي التقليدي والمحافظ، وتأثير هذا التواصل ما بين المجتمع "القروي" والمدينة اليهودية لا ينحصر فقط بالمجال الاقتصادي، وإنما له أيضا تأثير على مجال منظومة القيم وأسلوب الحياة، ومع هذا كله يقول المؤلف فإن المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل لا يسرع في تبن وتقبل أوتوماتيكي لسمات الثقافة الغربية، كالفردية والديمقراطية بمفهومها الغربي، فما زال وجود علاقة للفرد بالمجموعة على المستوى المحلي ويتماثل معها على اعتبار أنه كائن اجتماعي.
إشكاليات تناقضات وتحديات
يشير المؤلف في كتابه إلى أنه لم تكن هناك حداثة بالمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، وإنما أصبح المجتمع مأزوما نتيجة الانكشاف والتقليد. فحدثت حالة تباين إلى حد الانفصام من خلال تبني الحداثة الغربية الحاصلة باسرائيل والتي لا تمت بصلة ولا ترتبط عضويا مع الحضارة العربية في سياقها التاريخي والاجتماعي.
وعليه هي فهمت وأخذت سطحيا وما زالت البنية الفكرية العميقة مغيبة، فالحداثة الغربية مغتربة عن السياق التاريخي والموروث الحضاري العربي كما أنها مغتربة عن الواقع الاجتماعي والمبنى الثقافي.
يغيب الفلسطينيون في إسرائيل عن مراكز صنع القرار وهم ليسوا شركاء في صياغة وتشكيل السياسات الجماعية الإسرائيلية، كما أنهم خارج الوفاق الصهيوني، ومن ضمن هذا الوفاق الصهيوني عدم إتاحة الفرصة لاستقلالية جهاز التعليم العربي، فرغم فصل جهاز التربية والتعليم العربي عن العبري فإنه لا توجد استقلالية لجهاز التعليم العربي في تحديد أهدافه ومناهجه.
فالمؤسسة المعتمدة على مجتمع الأغلبية اليهودية -مثلما أورد أبو عصبه في كتابه- لا تمكن العرب من خلق كينونة لهوية ذاتية من خلال جهاز التربية والتعليم، ويظهر الواقع الإسرائيلي أن القوة والسيطرة موجودتان في قبضة مجتمع الأغلبية اليهودي، تلك الأغلبية التي تعمل على منع إمكانية تشكيل كامل لانتماء اجتماعي من جديد للأقلية العربية الفلسطينية.
نحو مجتمع متماسك اجتماعيا
إن صيرورة التغيير التي يمر بها المجتمع الفلسطيني بالداخل وعملية الانتقال مرصوفة بتناقضات جوهرية، فالواقع السياسي والاجتماعي الاقتصادي يشير بحسب المؤلف إلى أن كلا المجتمعين اليهودي والفلسطيني يعيشان بجوار وباحتكاك دائمين بينهما.
"
النظام العام للمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، دخل بصورة فعلية في أزمة عميقة، ابتداء بالعائلة مرورا بالشارع ووصولا إلى الأداء التربوي بالمدارس
"
فمجرد التفاعل المكثف للمجتمع الفلسطيني مع مجتمع ذي توجه غربي عصري وتكنولوجي يفرض على المجتمع الفلسطيني، إذا اختار مجاورة المجتمع الإسرائيلي تحديا وقد يكون تهديدا لدى البعض بإحداث تغيير اجتماعي، مما يلزم بدوره إعادة الانضواء العضوي بالمجتمع في صفوف البالغين وفقا للأعراض الخارجية، ولكن إلى جانب عملية الحداثة هذه، لا تزال هناك مزايا واضحة لثقافة تقليدية، وهي مزايا يتم المحافظة عليها بعناد من قبل وكلاء عملية الانضواء العضوي في المجتمع.
وخلص المؤلف في كتابه إلى أن النظام العام للمجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل، قد دخل بصورة فعلية في أزمة عميقة، ابتداء بالعائلة مرورا بالشارع ووصولا إلى الأداء التربوي بالمدارس والمؤسسات التربوية.
فالنظام يعمل كنظام بخلل وفي أزمة، الأمر الذي يدفع المجتمع للتوجه والبحث عن توازن جديد، وعليه يؤكد المؤلف وجود أهمية للعمل على تحديد المنظومة القيمية من جهة، والعمل على التربية لمنظومة قيمية والتحكم بها من خلال العملية التربوية المجتمعية من جهة ثانية، مع الإشارة إلى أن الأطر المركزية للقيام بذلك هي الأسرة والمدرسة، إذ يعتبر النظام الأسري الوكيل الأول لإكساب الأبناء القيم، وذلك من خلال عملية التنشئة الاجتماعية الأسرية، بينما المدرسة تعتبر كجزء من النظام المجتمعي التي تسهم بالمبنى الاجتماعي العام للمجتمع، حيث تؤثر وتحدد مسار وأنماط ومضمون فعاليات مختلف الأطر الاجتماعية الفاعلة، حيث تعمل على التنسيق بين هذه الأطر مجتمعة.